الثلاثاء، 30 يونيو 2015

العدوان والبول والكماشة

العدوان والبول والكماشة
 أحمد عبدالله جحاف 2015



على أنغام عصافير مدينة هامبورغ الالمانية لفتت صورة الحجر الكريم بلونه الياقوتي انتباه الحفيد "أحمد" الذي كان يقلـِّب في صور جوَّال جده ، و ببراءة الأطفال سأل جدَّه : هل هذه الصورة لمقذوف بركاني أم أنها حجر مرجاني؟!!
فدنا الجدُّ من "أحمد" هامساً بإذنه : للصورة حكاية ،، ذكريات و رواية ،، و سأرويها لك ، و لكن ستظل كلماتي سراً بيني و بينك ؟!!
الحفيد أحمد : أجل يا جدي...
و عندها بدأ الجد يروي:
قبل أربعين عام أي مابين عام 2011 و2015  تقريباً و قبل أن نقرر أنا وجدتك الهجرة الى المانيا ، كنا نعيش في صنعاء ، و كنا تقريباً شعباً واحداً وكأننا في حارة،، لا نعرف طعم الانقسام ، ولا نعرف للطائفية معنى أو عنوان ...
الحفيد أحمد : و لكن يا جدي أريد أن أعرف هل هذه الصورة لمقذوف بركاني أم أنها حجر مرجاني؟!!
الجد : لا تستعجل سأروي لك بعض التفاصيل ، و كما نبّهْتـُك سيظل الحديث سراً بيني و بينك ؟!!
و يتابع الجد: وعندما أشتعل لهيب ثورات الربيع العربي القادم من تونس إلى اليمن مروراً بليبيا ومصر ، ومحاولة الشعوب في الحصول على القليل من الحرية والسيادة وفي نفس الوقت اشتعال الفتنة بين الشعوب والطوائف ، ومع توقف مقومات الحياة بعد عام 2011 بشكل متقطع الا أننا كنا نقاوم ونسعى في الحصول على مقومات الحياة بكل ما أوتينا من قوة وكنا والحمدلله في نعمة وخير ، ولكن عندما تحول الصراع الداخلي إلى كماشة خارجية طمعت بعض الدول المجاوره والعربية والغير عربية في أن تخرس هذا الشعب الذي لم يحقق أي شيء من ما حلم به في عام 2011 وتم اعلان الحرب بشكل مباشر من تلك الدول ابتداءاً بالقصف الجوي حتى الحصار البري والبحري والجوي ، فقد توقفت الحياة في معظم المدن لاسابيع عديده وأختفت جميع وسائل الحياة وأنعدمت المشتقات النفطية وأنقطع التيار الكهرباء والمياه بشكل تام وأشتعلت الحروب بين جميع أبناء الوطن وفي جميع أنحاء الجمهورية ، واستمر الوضع لأشهر عديدة ، و لم تعد المياه إلى مجاريها إلا بعد ذوبان الجليد... وللأسف كانت الفاتورة كبيرة جداً فقد أصحبت مدن الجمهورية اليمنية عبارة عن ركام من التراب بعد تدمير وقصف بيوت المواطنين والمنشأت العامة والخاصة والمطارات والمدن الاثرية وتفجير الجوامع وتقسيم المدن إلى عدة أقسام!
و أذكر أيامها يا حفيدي العزيز (أحمد) أنه مع انقطاع جميع وسائل الحياة بدأت ثورة جماهيرية عسكرية تعبوية للرد على هذا العدوان ، وبينما كان البعض في جبهات القتال كان البعض الاخر يبحثعن وسائل الحياة من كهرباء ومياه وغاز وغيرها ،، و بدأت عملية تخزين الغذاء والغاز والنفط من قبل البعض والبعض الاخر لم يجد ما يخزنه في بطن افراد أسرته.... 
الحفيد أحمد : يا جدي سألتك عن الحجر فأجبتني عن تاريخ لم يدوّن على الورق!!!
الجدَّ : لا تستعجل سأجيبك فلا تملّ التفاصيل ... ولكن كما وعدتني الحديث سيظل...
الحفيد أحمد : ....سيظل سراً بيني و بينك ؟!!
يتابع الجدّ : و لكن رغم القصف والحرب والحصار ، وبالرغم من ان وسائل الحياة في نفاد ، لم نعد نخرج من منازلنا ، لم تعد تزورنا التيار الكهرباء إلا ساعة واحدة كل خمس أيام ، لم نعد نأكل الا وجبتين فقط في اليوم ، ودعنا النظافة ، ونسينا الحلاقة التي تستهلك الماء ، وأحتفظنا بالماء للشرب فقط إن وجد، بل و أشهرنا الحرب بموس الحلاقة وأصبح لدينا لحى طويلة بشعة المظهر حتى أصبحت مسكن للقمل والفئران والديدان ..
و كنا كلما استمر التصعيد من دول الجوار وقعت الطامة على الشعب المسكين..
مع أن قصفهم لم تحصد إلا رؤوس الولدان ، و النساء ، و الشيوخ ...
مع أن حصارهم لم يقطع إلا دواء المرضى وغذاء المساكيني الصوامع...
مع أن مبادئهم الذين يدعون بأنهم يحملونها تأمرهم بأن لا يقتلعوا زرعاً أو يقطعوا شجراً...
فقط كانوا يقصفون خزانات المياه وابراج الكهرباء ، يقصفون الطرق والمنشآت ويمنعون دخول المشتقات النفطية و من يعترض لفعلهم يقطعون رأسه و نسله ..
و كما اتفقنا يا بني سيظل الحديث سراً بيني و بينك ؟!!..
آآآه يا حفيدي أحمد لقد عانينا كشعب في اليمن عامه وصنعاء خاصة حتى تمنـّينا أن يصدِّروا لنا قطرة ماء ، 5 وات كهرباء ، 2 لتر بترول ، و لو كانت القطرة أو الوات أو اللتر بودرة مجففة قابلة للحل...!!
نعم كنا نريد الحل!!
تعاطفت شعوب العالم مع وجعنا رغم وجعها هي الأخرى فحروب الحياة حروب عالمية ... فبدأت ترسل لنا المعونات الوهمية ، عن طريق المنظمات كبسولات على شكل بيانات ، و ادانات دوائية تعطينا احساساً بالحياة ، فأصبحنا نتعاطى تلك الكبسولات كتعاطي المهدئات ... و لكن كما تعلم أن الكلى بحاجة إلى وسائل طبيعية لتفعيل عملية الشفاء فبدأت المشاكل الصحية الكلوية البواسيرية الضغطية السكرية تظهر في المنطقة...
الحفيد أحمد : سألتك يا جدي عن صورة حجر ،، فأدخلتني متاهة تاريخية ، و قصص طبية ، و حتى الأن لم أعرف طبيعة هذا الحجر ... بل لم أعد أريد أن أعرف طبيعته فقط اعتقني ودعني و لا تكمل فقد مللت... حديثك السري ؟!!
الجد : لا تستعجل سندخل في لب القضية.. أستمرت هذه الاحداث لعدة أشهر وأتذكر في منتصف عام 2015 ظهرت المشاكل الصحية التي ذكرتها لك لدى أغلب الشعب العطشان للحرية ، و يبدو أني كنت من جملتهم.. و أذكر يومها ، بينما كنت أقود دراجتي على طاقتي العضلية البديلة للطاقة الكهربائية و النفطية ... التي حرمونا منها.... أصابتني تشنجات كلويّة حادة أصبحت فيها بين الحياة و الموت ،، و كانت جدتك هدى جالسة خلفي على "الدراجة" ، فاستلمت عني القيادة لتأخذني إلى أقرب عيادة ، وعند الطبيب الذي قام بمعاينتي همس في أذن جدتك ، عندها صحتُ على الطبيب بأن يهمس في أذني فأنا المريض عندها تجرأ و قال لي أمامك 48 ساعة لتكتب وصيتك ...
صحيح أنني لا أخاف الموت لكن مع ذلك انهارت أعصابي ، فأخذتني جدتك إلى البيت ، و جمعت المودعين ، و المودعات عندها بدأت أطلب من النسوة الحاضرات طلبي الأخير من هذه الحياة قائلاً لهن :
يا نسوان ،، يا أمي .. يا زوجتي ...يا نسوان أخوتي يا بنات أخواني...
أشتهي الأطباق الدسه والحلويات المسكرة  ,,
أشتهي الان الكباب الحلبي والدجاج المقلي والفحسة والحلو العربي..
فأخذن النسوة بالنفخ و الطبخ ،، و كنتُ أستعجلهن بقولي لهن "لا أريد العيش جائعاً محروماً .. بل أريد الموت شبعاناً متخوماً..."
و بعد ساعات و ضعوا لي ما لذَّ و ما طاب ،، و بدأت أتناول في قمة الأزمة أشهى المأكولات ،، و كأني كنت من قبل في مجاعة ،، و بعد أن انتهيت ..تناولت عشرة عبوات سفن أب وخمس عبوات من الماء البارد و لكنني ما ارتويت...
فطلبت للارتواء الحبحب  (وهي البطيخ الأحمر) فأحضروها لي تهريب ، فهي من المنوعات على الشعب المخزن المحاصر ,, و بدأت أهرش و أجرش و أقضم البطيخه ثم ارتميت على الفراش ، و تمددت كي أموت ، فقد بدأت أشعر بأن روحي بدأت تخرج من كثرة ما أكلت ،، 
لكن الحقيقة أنني نمت نومة عميقة لأستيقظ و كل ظني بأني في القبر ،، لكن حين مددت يدي وجدت بجواري أبني (اباك) عبدالله والذي كنت أناديه أيامها "عبودي" نائماً على وسادتي ، فأدركت أني ما زلت حياً و الذي أكد ذلك أكثر أنَّ تشنجات كلوية أعلنت حاجتي البيولوجية ، فهممت لقضائها في الحمام وكنت أصيح على جدتك أن تحضر كمَّاشة ، فأحضرتها مع مطرقة وصندوق العدة ،،
فجلستُ و فشّختُ رِجْلـــَيَ ..
فقالت : يا ويلي ما هذا...!؟ 
فقلتُ لها : أمسكي طرف الحصوة البارز و اسحبيه بالكمَّاشة..
فسحبته مع صرختي فكان خروج تلك البحصة الكلوية المرجانية ،، من مسالكي البولية ،، ثم صوّرت بجوالي تلك التحفة الأثرية ،، 
الحفيد أحمد.. حبيبي 
هل أدركت أخيراً طبيعة الحجر أرجوك لا تفشِ السر الذي بيني و بينك ؟!!
الحفيد أحمد : حاضر جدي مع أنك أعللت قلبي..
الجد : و بدأت عملية الادرار البولي بشكل طبيعي... و ارتحت بعدها راحة غريبة ..لتنتهي أزمتي و أزمة أمتي فانقشعت عنا الغمة .. و العبرة من قصتي أن كل من كانوا حولي حينها قد ماتوا ، حتى الطبيب الذي أوصاني أن أكتب الوصية مات ، و ها أنا ما زلت حياً أروي لك سراً بيني و بينك ...و فعلاً كتبت يومها وصيتي فانشرها بعد مماتي :
"وصيتي 
كلما اشتدت الأزمة
فعليكم بالكمّاشة
ثم تخيلوا أنكم تبوّلون على من كان سبباً في مأساة الشعب اليمني المسكين المغلوب على أمره 
عندها ستشعرون براحة و سعادة مجتمعتين.
فهل من عاقل يتعظ منا 
وهل من واعظ ينقل عنا"


الاثنين، 1 يونيو 2015

من منا من كوكب آخر , نحن أم اليابان ؟


من منا من كوكب آخر , نحن أم اليابان ؟



اتصلت بي احدى زميلات الدراسة من دولة اليابان (ميكي نيكاواوي ) , تبارك لي بعيد مولد أبني بعد أن قرأت بوست لي في صفحتي اتحدث فيه عن عيد ميلاد ابني الوحيد , بصراحة لم أتفاجأ من اتصالها كونها تتواصل معي وتهنئني دوما بالاعياد و المناسبات الدينية ( رمضان و العيدين ) والمناسبات الغير الدينية كذلك..
سألتني عن الأوضاع ( عادة اليابانيين بتكون لغتهم الانجليزية مكسرّة شويه و أنا لغتي كمان مكسرّة , لهذا قدرنا بسهولة نفهم على بعض !!)
سألتني عن الصحة و عن الأوضاع , فقلت لها :
الحمدلله الوضع كثير تحسّن عن قبل صارت الكهرباء تجي ساعة و نصف كل يومين او ثلاثة ايام ..
فقالت : اووووووووووووووووووووووووو نوووووووووووووووو ... 
ملاحظة : يمتاز اليابانيون بالتعبير عن مشاعرهم بحركة وجههم و كلماتهم ..
و أكملت : و الماء يجي تقريبا في الشهر مرة وحدة عندي خزان فيه 1000 ليتر 
الحمدلله البترول وصل بس يحتاج لك توقف ثلاث ايام في الطابور ...
فصرخت أكثر : اووووووووووووووووووووووووووووو .. نووووووووووو ..ثلاث ايام ؟؟و شغلك ودراستك بتتوقف وأنت تعبي البترول , الوقت كثير مهم ...
قلتلها : مالك ميكييييي ..اي طرشتيني من اووووووووووووووووو نووووووووووو , خلاص اختصري قول (او نو )بدون ماتشطيها و تمطيها .. نحن بصنعاء نقول : اوف اوف اوف او اوبببببب ...
حسيت وجهها كمان انجقم من الصدمة و هي بتسمع أخباري الحلوة ...
و الان الشبكه بدأت تقطع , و أنا قلت ع الاغلب التقطيع من عندها من اليابان لأنه نحن شبكتنا بتاخد العقل .. بس ما اشتيش اقول لها بأنه الخط بتقطع من عندها من شان ما احرجها , ع الاغلب شبكتها طوكيو موبايل أو معاها بطاقة (تيليابان ) متل (تيليمن) اللي عندنا....
قالت لي : و انتو عندكم الجو حر , صح؟ كيف تعملوا في الجو الحر اذا الكهرباء عندكم متقطعه ؟؟
قلتلها : اي في حر , بس عندنا في صنعاء لا بأس والحر كويس علشان الكيف يقرح مع القات ( بصراحة جلست ساعة وانا دور على ترجمة لجملة "الكيف يقرح مع القات" بالانترنت و مالاقيتها .. قلتها بالعربي و أظن فهمت علي لأنها صرخت و قالت :
اووووووووووووووووووووووووووووو ... نوووووووووووووووووووو
و في نهاية الحديث .. تشكرتها على تليفونها , و حسيت بأنه دمعتها بدات تشرشر بس بدون ما تأجهش .. مشاعرها كانت صادقة كثير ( لأنها يابانية أصلية ) ..
انا استغربت من استغرابها , والله الوضع تحسّث كتير ..كهرباء ساعة و نصف , اش نشتي احسن من هذا؟؟ عجب تمسحنا ؟ولا تعودنا ؟ و لا تأقلمنا ؟ ولا عايشين غلط ؟ ولسا ما كلمتها على الغاز والبسكويت ابو ولد والزبادي والهدايا الي بتسقط علينا من الجو والانفجارات في المعسكرات والرصاص الراجع, كانت انفلجت ..
نحن نعرف ونسمع بأن اليابان هو كوكب آخر , بس أظن بعد هذه المكالمة , صار اليابانيون يعتبرونا نحن كوكب آخر لم يُكتشف بعد , و عايشين بقدرة قادر